لبنان: 96171010310+     ديربورن: 13137751171+ | 13136996923+
8,558 مشاهدة
A+ A-

تحت عنوان "صلاح تيزاني: أتمنّى في 2024 أن لا أتبهدل في آخرتي" كتبت نوال نصر في نداء الوطن:

يتكئ على عصاه وعلى 95 عاماً مليئة بالمحطات الحلوة والمرّة وبكثير من الخيبات. يداه باتتا ترتجفان، وعيناه ما عادتا تساعدانه كثيراً على تحديد الملامح، ورفاق البدايات، فهمان ودرباس وأسعد وأمين وجميل وسهيل الظريف ومشكاح، أصبحوا في دنيا الحقّ. أما هو فشاهدٌ على موت عشرات الممثلين الكبار قبل الموت الأخير. مقهور. أعطى عمره للفنّ والفنّ لم يعطه الطمأنينة والأمان. وها هو اليوم، على عتبة عامه السادس والتسعين يقول: لا أريد من سنة 2024 إلا أن لا أتبهدل في آخرتي. أنا أعرف أنني أعيش اليوم في الوقت الضائع، بين حياة وموت، في النفس الأخير. فليكن يا ربّ موتي بكرامة». صلاح تيزاني، ابو سليم، آخر عمالقة التمثيل الكوميدي في لبنان، يأخذنا في حديثه برحلةٍ حول العالم قبل أن يعود بنا إلى الواقع الأليم قائلاً: ما في عدل يا صديقتي بهالدني.

كان يأتي أسبوعياً، كل يوم إثنين، من منزله في الكولا الى مركز النقابة في بدارو(نقابة المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون في لبنان) لكن، منذ مدة، بات يأتي مرة في الشهر «فلا الصحة تساعد وكلفة الإنتقال باتت تتطلب موازنة خاصة». كان يتقاضى من النقابة ثلاثمئة الف ليرة أي ما يعادل مئتي دولار أميركي أما اليوم فبات المبلغ ثلاثة دولارات «يا حرام الشوم».

أبو عجقة

ثمة لوحة مليئة بالألوان في صدر أحد مكاتب النقابة. يقف امامها فخورا قائلا: هذه رسمتها زوجتي سهام وضمنتها اشكال السينما والإذاعة والتلفزيون. زوجتي هي كل دنياي. هي اليوم ترعاني وأصبحت معلقاً بها مثل طفل يتمسك بأمه. تساعدني لأرتدي ملابسي وأستحم وأشرب قهوتي و... ويستطرد فجأة كمن تذكر شيئا: «أستغرب كيف يأتون بمسؤول بعمر الثمانين ليستلم مقدرات وطن ومسؤوليته؟ بعمر السبعين والثمانين يضرب الإنسان الروماتيزم وداء الركب والبروستات والعفاريت الحمر. هو يحتاج أن يوضع في مأوى العجزة لا أن يكون مسؤولاً عن البلد. ربنا غاضب على لبنان واللبنانيين لذلك ارسل لهم هذا النوع من الحكّام».

صلاح تيزاني، إبن طرابلس، لم يعد يعرفها اليوم «كانت في الستينات تضم 75 ألف نسمة أما اليوم فتضم 750 ألفا. كنا أشبه بعائلة أما اليوم فلا أحد يعرف أحداً». بدأ ابو سليم في التمثيل في عمر مبكر ويقول: «بدأت بعمر الأربع سنوات، منذ دخلت المدرسة، التي لم تكن على أيامنا مثل هذه الأيام. كانت هناك مسرحية في آخر كل عام دراسي وكانت هناك علامة إضافية لكل عمل جميل. إذا كنا هادئين ننال نقطة وإذا كنا مجتهدين نأخذ نقطة وإذا أطعنا المعلمة ننال نقطة. وفي آخر كل سنة يجمعون نقاطنا التي تخولنا أن نشارك في أدوار مسرحية فنغني ونمثل ونلقي الشعر ونعزف. وكان معروفا عني أنني «أبو عجقة» لذا كانوا يختارون لي الأدوار التي تضحك الآخرين وكم كنت أفرح حين أرى من يشاهدونني يضحكون. لا يمكنني أن أصف لكِ ذاك الشعور الذي يسري في داخلي ويهز كياني في كل مرة أشعر فيها بسعادة الناس. كنت «رذيلاً» جدا فلم تقبلني أي مدرسة رسمية لذا اضطر والدي الى وضعي في مدرسة خاصة، مدرسة الطليان، حيث كانت تُحضّر مسرحية كل شهر أو شهرين، وكان نزار ميقاتي، والد عمر ميقاتي، أستاذ لغة عربية عمل على تنمية طاقاتي التمثيلية. ويوم بدأت الحرب العالمية الثانية أتى مدير المدرسة، مسيو ليون، وقال لنا بالإيطالية: لا مدرسة غداً. صفقنا. فرحنا. وظننا أننا سنعود بعد غد. كنا صغاراً لا نفهم معنى الحرب العالمية. بدأت الحرب. غادر الطليان وختمت مدرستنا بالشمع الأحمر. فانتقلت الى المدرسة الأهلية ودخلت في كشافة الجراح وأسست عام 1952 فرقة النفير وضممت إليها أسعد وأمين وجميل. وبما أننا لا نستطيع أن نلعب أدوار غرام وكذا ومذا قررنا أن تكون فرقتنا كوميدية وسميناها لاحقاً: فرقة كوميديا لبنان.


التمثيل يوم كان عيباً

أبو سليم، لم يسم أي من أولاده سليم: «لدي ثلاثة أولاد، صبيان وبنت، آمن (مشتق من إسم والده أمين) وسامر (على اسم والد زوجته) وآشا (مشتق من إسم والدته عائشة) ويقول: إبني الكبير يعيش في روسيا وتزوج من روسية وإبني الآخر يعيش في أوستراليا ووحدها البنت معنا. رفضت أن تتزوج لتعتني بنا. أشكر الله انه رزقني بفتاة».

يستيقظ أبو سليم عند السادسة صباحا وينام عند العاشرة مساء. وفطوره هو نفسه منذ عقود: جوزة وموزة وثلاث حبات تمر وكوب من الحليب. يمنحني هذا الفطور الطاقة طوال النهار». لا أمراض كبيرة يعاني منها لكنه بحاجة الى حمايات: «حماية للقلب ومن الكوليستيرول. آخذ سبع أو ثماني حبات أدوية يومياً. أوقات يتيسروا اوقات لا».

تسقط العصا من يده. نساعده ليُمسك بها مجدداً. هو جبارٌ يصرّ على الصمود ومواجهة بصمات العمر على أدائه حتى ولو شعر بخيانة القدمين واليدين. نشعر به يتوتر وهو يتحدث «فما أقوله يأخذ من إحساسي الكثير ويُتعبني». نتمهل. نسكت قليلا ثم نكرر له أننا لا نريد أن نتعبه لكننا أردنا أن ننهي سنة وننطلق في سنة جديدة مع آخر العمالقة. يهدأ قليلا ويتابع حديثه: «كان التمثيل معيباً. وكانوا يرددون أمامنا في كل مرة نطلق فيها مسرحية: روحوا انقبروا اعملوا شي ينفعكم! فالتمثيل شغلة يلي ما إلو شغلة!» ويستطرد: «معك خبر أن القانون اللبناني كان يمنع الأخذ بشهادة كشاش الحمام والممثل والمغني في المحكمة. هل معك خبر أنه كان مطلوباً من الفتيات اللواتي يمثلن الخضوع الى «معاينة» كل 15 يوماً وحيازة دفتر معاينة أسوة بالمومسات اللواتي يعملن بالسوق العمومي ليُسمح لهن بمزاولة عملهن». يتذكر أبو سليم كل هذا فالتمثيل الجميل لم يكن سهلاً في ايامه.

من أرشيف العمر

افتتاح تلفزيون لبنان عام 1959 شكل مفارقة جميلة لكل من كانت عينه على التمثيل ويخبر صلاح تيزاني: «أتى عوني المصري وعبد الكريم عطا وأخبراني أن وسام عز الدين قال لدوري شمعون: نريد تأسيس تلفزيون لبنان ونحتاج الى ترخيص من والدك. وكلنا يعلم أن كميل نمر شمعون كان شغوفاً بالفنون على أنواعها فوافق على الفور. افتتح التلفزيون في أيار عام 1959 وبعد أقل من ستة أشهر أصبحنا ركناً فيه. وفرقتنا المسرحية كانت أول فرقة في العالم العربي تظهر على شاشة عربية. أبو ملحم أتى قبلنا بأربعة أشهر. وكان هناك أبو حربة الذي يدق على الربابة، لكنه كان رتيباً «مونوتون» فلم يصمد كما نحن وأبو ملحم».

أبو وأبو وأبو... هكذا بدأت التسميات أيام زمان. ولأبو سليم حكايته: «سميت فرقتي باسم كوميديا لبنان لكنه لم يكن أليفاً على آذان المشاهدين وتسمية أبو، بحسب أبو سليم، كانت أكثر إلفة» ويشرح: «قصة أبو قصة، فقد أرسل ورائي مدير القناة 9 جان كلود بولس ومدراء البرامج وقالوا لي: إسم فرقتكم غير رائج. وكان في إذاعة لبنان برنامج ناجح جدا يقدمه جورج ابراهيم الخوري اسمه: أبو بسام. وكان في تلفزيون لبنان أبو ملحم وأبو حربة (ويكمل ممازحاً) وابو عمار وأبو العفاريت... ففكرت بيني وبين نفسي: أي اسم استخدم؟ أبو علي؟ وماذا لو أتى بعد فترة أحد وسمى نفسه: أبو طنوس واختلفنا معاً؟ ماذا لو قال لي أبو طنوس: روح انقبر يا أبو علي؟ ستنشب حرب أهلية! سيولع البلد! لهذا قررت أن أبحث عن إسم لا يمت الى أي دين. فكرت كثيراً وقررت: أبو سليم وسميت أعضاء فرقتي: شكري وبكري وفكري...».

ومن أين أتت تسمية الطبل؟ يجيب: «على أثر مشهد تلفزيوني شارك فيه فهمان واسعد شهدا فيه أن كنيتي الطبل وهكذا أصبحتُ أبو سليم الطبل».

هذا ما يضحكني

أول نص تلفزيوني كتبه أبو سليم حمل عنوان «المسافر»، ويخبر عنه وهو يضحك: «كان يحكي عن شاب يريد أن يسافر ويأتي كل أهل الضيعة حاملين محملين ما لذ وطاب طالبين منه أن يحمل معه طناً من الأغراض: شنكليش وزعتر وكشك وزيت وزيتون. طلع معه حمولة بابور. كانت هناك سذاجة في ذلك الوقت».

هذه هي الإبتسامة النظيفة. لكن، ماذا عن النكتة التي تُضحك صلاح تيزاني يجيب: «يضحكني كل مشهد غير مألوف. الحياة مليئة بالمواقف المضحكة. وفي الحياة نسمع كثيراً من يقول عن فلان أو علتان: هذا عبقري. هذا حمار لا عبقري. فأعظم طبيب في العالم لا يعرف كيف يغير جلدة حنفية...». هل نفهم من ذلك أنك تضحك للمواقف العامة لا لمؤدي تلك المواقف تلفزيونياً؟ يجيب: «يا حبيبة قلبي يجب أن تتوافر الموهبة لخلق أي عمل حقيقي. ولّت أيام الكبار مثل عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب ورشدي أباظة وعماد حمدي وشادية ومادية... زمان كان هناك لوريل وهاردي وتشارلي شابلن ولويس دي فنيس. اليوم ليس هناك شخص واحد كوميدي حقيقي على وجه الأرض بل هناك من يسمّ البدن لكني أثق أن زمن القحط سينتهي. لا شيء في الدنيا يدوم. إذا غليت المياه وتركتيها ستعود وتبرد».

من بقي من أصدقاء أبو سليم اليوم؟

يجيب بتأثر: «من كانوا معي راحوا يا حرام. راحوا مقهورين (يذرف الدمع فيبكينا). لم نتمكن من دفن بعضهم كما يليق بهم. كنا فرقة من عشرة أشخاص لم يبقَ منهم إلا شكري (صلاح صبح) وزغلول (فؤاد حسن). أسعد صهري، تزوج أختي. وفهمان عديلي، تزوج شقيقة زوجتي. كنا عائلة. هل تتصورين أن أسعد الذي أحبه الناس لم يجد من يعزي به. لا يوجد وفاء في هذه الدنيا. إياك أن تتوقعي الوفاء من أحد. يقال أن هناك ثلاثة أمور مستحيلة في الدنيا: الغول (ليس هناك غول) والعنقاء (وهو طائر خيالي يرد ذكره في الأساطير وبانه قادر أن يغطي الشمس) والخل الوفي. لا وفاء. تسمعين من يقول لك: أنا وفي أنا وفي... لكن عقله الباطني يقول له: كذاب كذاب والله العظيم كذاب. كل شيء في هذه الدنيا، في أرض النفاق، مصلحة».

الرئيس

بعمر الخامسة والتسعين ما زال عقل أبو سليم يزن بلداً. شعره الرمادي مسرّح بطريقة أنيقة. هندامه مختار بعناية. وكلامه مجبول بالوجع. هو اليوم الرئيس الفخري مدى الحياة لنقابة الممثلين- يخبرنا النقيب نعمة بدوي ذلك وهو يدعوه الى الجلوس في مكتبه. ومكتب النقيب نصفه تحول الى مستوصف. هنا يعاين أطباء أسبوعيا ممثلين ما عادوا قادرين على سداد كلفة معاينة طبية. رهيب هو حضور أبو سليم الذي أضحكنا ببساطة بدون إبتذال. وها هو يذكرنا بمشهد كتبه لأسعد الذي ينسى. أعطاه خمس ليرات وقال له إشتري بها جبنة وأعطاه خمس ليرات اخرى وقال له إشتري بها خبز. ذهب أسعد وعاد بعد وقت طويل وليس بيده شيء. سأله أبو سليم أين الخبز وأين الجبنة فأجابه: لم أعرف بأي خمس ليرات أشتري الخبز. يضحك أبو سليم ونضحك لضحكه. نعود لنسأله عن السرّ الذي يجعل هكذا أحداث بسيطة مضحكة؟ يجيب: «في المشاهد الكوميدية نحن نهيئ المشاهد ليبتسم. مثلاً، تناول أحدهم موزة ورماها ارضاً ومرّ رجل وتزحلق عليها وسقط أرضاً. هنا ندرس تأثير إبراز قشرة الموز أم تزحلق المار أو... « نصغي الى أبو سليم بتمعن مدركين مدى الشغف الذي جعله يعطي عمره لفنٍ لا يُطعم خبزاً.

أول أجر تقاضته فرقة أبو سليم الطبل كان 250 ليرة أسبوعياً عن كل حلقة تلفزيونية، أي بمعدل ألف ليرة في الشهر، الى فرقة تضم نحو عشرة أشخاص، وكان المبلغ يوزع أسبوعياً، عشر ليرات الى هذا و12 ليرة الى ذاك... ويقول صلاح تيزاني: «لم نكن نهتم كيف سنعيش؟ وماذا سنفعل حين نكبر؟ ذهبت حلقاتنا التي سجلناها قبل العام 1969، أي قبل بدء التسجيل، هدراً وكأنها ما كانت. ما طلعنا به على الهواء طار في الهواء. لم نستطع يوماً أن نعيش من الفن. وفي العام 1969 أصبحنا نتقاضى 500 ليرة عن كل حلقة ونوزع المبلغ بيننا. كنا نقوم بإعلان «من هون» وبحفلة «من هونيك» لنكمل الشهر. وأسمع من يقول لي اليوم: يا عمي أين المال الذي جمعته؟ بماذا أجيب هؤلاء؟ أنا من أقنعت ميشال تابت (نقيب الممثلين السابق) بشراء هذه الشقة (حيث النقابة في بدارو) من إمرأة روسية وسجلتها باسمي وعدت وتنازلت عنها لاحقا لنقابة الممثلين. إشتريناها بمبلغ ستين ألف دولار تقريباً وثمنها اليوم أصبح 700 ألف دولار».

كان أبو سليم يملك فبركة خشب وموبيليا وكاليري باسمه: مفروشات أبو سليم. وكان يا مكان. أفلست الكاليري. ويقول: «طلبت من أسعد وفهمان وكل أعضاء الفرقة أن يعملوا ولا يعطوا الفن كل وقتهم. لكنهم ماتوا جميعاً «منتوفين». أبو ملحم (أديب حداد) كان صديقاً لي. ويوم مات إتصلت بي إم ملحم صباحاً قائلة: أديب راح أديب راح. سألتها: وين راح. قالت: مات. دفناه قرب الجامعة الاميركية وكنا لنكون اربعة في مأتمه». يتوقف. يتمهل. ويتابع: «هكذا دفن محمد شامل ايضاً. إتصلت بي زوجته أم يوسف وقالت لي: إلحق شامل أخذوه الى الجامعة الأميركية. ذهبت الى هناك فرأيته متروكاً على صندوق. صرخت بهم فأجابوني: عليك أن تدفع 65 ألفاً على الصندوق. قلت لهم: هذا اكبر إستاذ في العالم. ثم طلبوا مني 500 ليرة. وفي اليوم التالي توفي فطلبوا مليون و600 ألف ليرة. هكذا ينتهي حال الكبار في بلادنا.

لقرارة المقال كاملاً: اضغط هنا


تغطية مباشرة آخر الأخبار

  • الحزب ينعى رسميًا مسؤول العلاقات الإعلامية الشهيد الحاج محمد عفيف النابلسي
  • معلومات للـLBCI: لبنان ابلغ الى واشنطن موافقته على اقتراح وقف النار وآموس هوكشتاين يصل الى بيروت الثلثاء لاعادة قراءة بعض مصطلحات الاقتراح بما لا يتعارض مع الدستور اللبناني
  • الصحافي جان عزيز للجديد: التعديلات التي سيتم إقتراحها على هوكستين لن تكون جذرية وستكون مقبولة إلى حد كبير
  • الصحافي حسين ايوب للجديد: الحزب سلم رده الى الرئيس بري وأعتقد أنه كان إيجابياً