كتب عبيد مايز في صحيفة نداء الوطن عن المعمّر العكّاري سليمان محمد المل الذي تجاوز الـ 120 سنة من العمر وهو إبن قرية العبودية الحدودية مع سوريا:
في جديد يوميّات المعمّر سليمان المل أنه أصبح رجلاً عاجزاً عن الحركة بالكامل منذ ما يقارب الستة أشهر. وتوفيت زوجته الثالثة سميرة سليم بعد معاناة مع مرض السرطان، تاركة له أطفالاً صغاراً، وأصغر ولد يبلغ الـ 10 سنوات. ما زال هذا المعمّر بعدما تخطّى القرن من العمر بكامل وعيه، لكنّه لم يعد قادراً على الحركة، بينما تثاقلت عليه الكلمات وتلعثمت في فمه لأنّ المرض راح ينحت في جسمه النحيل الكهل. وعندما عُرضت أمامه صورة لزوجته وأولاده قال: "سميرة ماتت وبكى". يتذكّر المل أنّ والده، وعندما سجّله في قلم النفوس في العام 1931 كان عمره 35 سنة. ما زال يستذكر الكثير من القصص عن لبنان في زمن العشرينات والثلاثينات وتاريخ المنطقة بأكملها والأمراء الذين حكموا عكار والشمال. يتمتّع بذاكرة فولاذية لم يخرقها إلا عجز اللسان عن التعبير بسبب التقدّم في السن.
بين أولاد وأحفاد وأحفاد الأحفاد، لدى المل عائلة كبيرة أوضاعها المادية والمعيشية صعبة. توفي ولده الأكبر قبل مدة وقد ناهز الثمانين من العمر. وفي منزله المتواضع جداً في قرية العبودية تعيله بناته ويساعدنه. تشرح إحداهنّ ما يقوله والدها العجوز لزواره، فلسانه قد أصبح ثقيلاً على الكلام. هو بحاجة إلى أدوية دائمة ومزمنة، ويعاني تورّماً في قدميه. يفتقده روّاد المسجد، كما يفتقد هو إلى زيارة المسجد تماماً. عندما طالب قبل 4 سنوات بالجنسية لزوجته السورية، كان يهدف الى معالجتها على نفقة وزارة الصحة اللبنانية في حال تعرّضها لأي عارض.
بعد موت زوجته سميرة، يجلس المعمّر سليمان المل في منزله من دون مُعيلته التي وافقت على طلب الزواج بالرغم من انه يكبرها بـ 80 سنة لأنها اعتبرته رجلاً مَرِحاً، أما هو فكان يريد ان تعيله.. لكنّ سميرة رحلت من دون استئذان، بعدما تواعدا على إكمال العمر سوياً. في السابق كان يعمل هذا الكهل على جمع الخردة وبيعها لإعالة أولاده. أما اليوم فهو رجل عجوز لا يقوى على أي شيء، ولا ينال من الدولة ووزاراتها المعنية أي شكل من أشكال الرعاية والعناية، ولم تشفع له سنواته الطويلة بأن يحظى باهتمام رسمي، كما يحصل في بلدان العالم التي تحترم الإنسان وسنّه. لا يملك سليمان المل من هذه الدنيا إلا تلك السنين الطويلة التي لم يتّسع لها إخراج قيده فسجّل جزءاً منها وترك الآخر. ولولا بعض المساعدات البسيطة من الجيران في الحيّ لكانت أوضاعه كارثية للغاية. وبالرغم من قسوة الحياة عليه الى حدّ الجشع، إلا أن لسان هذا الشيخ الكهل لا ينفكّ يلهج بذكر الله وروح الدعابة التي يتحلّى بها. ولدى سؤاله عمّا يريده من الدولة والمسؤولين لضمان وحماية شيخوخته يجيب: "ما بدي إلا رحمة الله".
المصدر: مايز عبيد - نداء الوطن
23,394
مشاهدة