تطور الحياة الاجتماعية بعد الثورة الصناعية، وبعدها ثورة التكنولوجيا والمعلومات، بالإضافة إلى التزايد السكاني الكبير (زيادة أكثر من 28% منذ مطلع القرن الحادي والعشرين)، أدى إلى تغيير جذري في طرق الاستهلاك وتزايد الحاجات، كما أدى إلى ظهور منتوجات جديدة تخدم نمطاً حديثاً للحياة. بالتالي نتج عن ذلك تزايد ملحوظ في النفايات بمختلف أنواعها وتكدسها ما خلق مشكلة بيئية حقيقية. أما في لبنان، فالوضع أكثر سوءاً بسبب الأفعال العشوائية التي يقوم بها بعض المواطنين والبلديات المحلية كعمليات الحرق والمكبات المكشوفة أو رمي النفايات في العراء أو الطمر في الأرض أو البحر.
من هنا ظهرت الحاجة إلى إيجاد بدائل سليمة وصديقة للإنسان والبيئة بالاستناد إلى آخر الأبحاث العلمية في هذا المجال، والطرق المتبعة في الدول المتقدمة التي أثبتت نجاحها.
اعتمدت بعض هذه الدول على الطرق الخضراء
(green processes) كحلول مستدامة لتلائم صحة الإنسان، بيئته واقتصاده. أهم هذه الطرق هي الفرز من المصدر مع إدخال مبادئ تثمين النفايات (valorization of waste) لتحويلها كيميائياً إلى مواد يمكن بيعها في السوق العالمية أو المحلية. إن هذه الطرق الخضراء هي من أهم الخطوات نحو التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة وبالتالي الوصول إلى صفر نفايات وتوقف عمليات الحرق.
وقدم مشروع "رؤية سلعا 2025 صفر نفايات" نموذجاً مفصلاً وآلية عمل لمعالجة مشكلة النفايات في بلدة سلعا (قضاء صور) التي يبلغ عدد سكانها حوالى خمسة آلاف نسمة. تستند الرؤية إلى أفضل الطرق المتبعة عالمياً التي تناسب صحة الإنسان والمنظومة البيئية، وتوفر إيرادات إضافية للبلدة خصوصاً في هذه الظروف المالية والاقتصادية الصعبة. وقدم أصحاب المشروع تقريراً متكاملاً علمياً يضمن بالإضافة لطرح المشاكل الناتجة عن الطرق المعتمدة حالياً والحلول البديلة المفصلة، برامج لورش عمل لإرشاد أهل البلدة إلى ثقافة الفرز من المصدر قبل وخلال تنفيذ مراحل الانتقال التدريجي لمدة خمس سنوات قبل التطبيق الكامل للمشروع في البلدة ثم في البلدات المجاورة حتى تعميمه في كل لبنان.
لا شك أن في لبنان معامل فرز نفايات، وأخرى لإعادة الفرز، وقد حقق بعضها نجاحاً نسبياً، لكن تبقى مهددة بالفشل، وبعضها فشل لسبب جوهري يتعلق بفشل تطبيق استراتيجية نشر ثقافة الفرز المستدامة التي يجب أن تبدأ من المدرسة والأسرة إلى المجالس البلدية والجمعيات البيئية والاجتماعية في حلقة متواصلة متجددة تصل إلى الجامعات والمراكز الثقافية فالوزارات المعنية ووسائل الإعلام. إن التجارب تؤكد أنه حتى لو امتلكت أي بلدية معمل فرز أو إعادة فرز ووضعت مستوعبات وقامت بإرشادات نظرية، لن تنجح في حضّ الناس على ثقافة الفرز، وهذا تماماً ما حصل في تجربة بلدة الخيام حيث يقول أحد أعضاء البلدية السيد عزت رشيدي: "البلدية الحالية احتضنت المشروع وتابعت جيداً مع المدير المشهود له بنجاحاته وتميزه، كما أن جمعية سيدات الخيام أقامت ندوات متعددة وزارت كل الاحياء للتوجيه والارشاد لكن الفرز بقي متعثراً أو غائباً كلياً رغم توزيع مستوعبات على جميع المنازل بغاية الفرز"، وهذا مثال يؤكد أن اكتساب ثقافة الفرز لا تتم دفعة واحدة. أضف أيضاً أن العمل في معمل مدينة بعلبك واقتصاره على الفرز بنسبة 10% فقط والباقي يذهب لمكب عشوائي مثال آخر على التعثر.
علماً أن من أهم ثمار مشروع "رؤية سلعا 2025 صفر نفايات" في المدى المتوسط هو إنتاج الغاز الطبيعي biogas (أي غاز الميثان) لاستخدامه كطاقة طبيعية مثلاً في تسخين المياه والطبخ واستعمالات أخرى. وفي الوقت نفسه السير مع العالم نحو الاقتصاد الأخضر (green economy) الذي سيكون فيه استثمارات متوسطة وبعيدة المدى ليوفر آلاف فرص العمل خصوصاً في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان والحاجة لبناء اقتصاد منتج.
والجدير بالذكر أن هذا العمل خضع لتدقيق علمي نقدي من الدكتور قاسم بيضون، الخبير في التنمية المستدامة والكيمياء الخضراء في جامعة آخن الألمانية Aachen University بعد مشاركة ثلاثة باحثين من فرنسا في صياغته وهم الدكتور أحمد نعيم، الدكتورة علا حمّود والدكتور فيدل حسين حمّود، وتعاون عضو مجلس بلدية سلعا الأستاذ عباس نعيم لتزويدنا بالمعلومات اللازمة. وتمّ تقديمه بتاريخ 6 تموز 2020 إلى بلدية سلعا عبر عضو مجلس بلديتها الأستاذ عباس نعيم.
الدكتور أحمد نعيم والدكتور فيدل حسين حمّود
تغطية مباشرة
-
محكمة أميركية تؤيد حكما بإدانة ترامب بالاعتداء الجنسي وتغريمه مبلغ 5 ملايين دولار
-
الدفاع المدني: انتشال جثمان شهيد من تحت الأنقاض في الحي الشرقي في الخيام تتمة...
-
اعلام عبري: الجيش الإسرائيلي: سمح بالإعلان عن مقتل "أورئيل بيرتس" من كتيبة نيتساح يهودا التابعة للواء كفير وإصابة 3 بجروح خطيرة في معارك شمال قطاع غزة
-
الإدعاء على موقوفين بجرم معاملة عناصر حرس السفارة السعودية في بيروت بالشدة! تتمة...